الصحابيات السلميات:
تماضر بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبه بن عصيه بن خُفاف بن امرئ القيس بن بهثه بن سليم بن منصور
السلمية ثم العصوية : الشاعرة والمشهورة بالخنساء , ولقبت بذلك لصفه في أنفها , قال في لسان العرب : الخنس في الأنف
هو ارتفاعه مع قصر القصبة ودقتها . وخنساء خَناس وخُناس كله اسم امرأة .
قال دريد بن الصَّمّة :
أخناس قد هام الفؤاد بكم وأصابه تبل من الحب
يعني به الخنساء بنت عمرو بن الشريد , فغيره ليستقيم له وزن الشعر .
إسلامها :
قال ابن عبد البر : قدمت الخنساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم .
قلت : وكانت وفادة بني سليم وإسلام عامتهم في زمن صلح الحديبية بين السنة السابعة والثامنة
من الهجرة , وأرسل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل فتح مكة يستنفرهم للمشاركة في فتح مكة , فوفد
عليه منهم ألف مقاتل قابلوه في طريقه إلى مكة , وبهذا يكون إسلامها قبل فتح مكة المكرمة .
قال ابن عبد البر : فذكروا أن رسول صلى الله عليه وسلم كان يسـتـنـشـدهـا فيعجبه شعرها , وهو يقول : هيه يا
خناس , أو يومي بيده .
شاعريتها:
وكانت الخنساء في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة حتى قُتل أخوها الشقيق معاوية بن عمرو ,
قتله هاشم وزيد من بني مرة ! ثم قُتل أخوها لأبيها صخر بن عمرو وكان أحبهما إليها , فقد كان
حليما جواداً محبوباً في العشيرة , وكان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي فمرض من تلك
الطعنه قريباً من حول ثم مات . فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر وأجادت .
ومن جيد شعرها :
أعينيّ جودا ولا تجمُدا ألا تبكيانِ لصخرِ النّدى ؟
ألا تبكيانِ الجريءَ الجميلَ ألا تبكيانِ الفَتى السيّدا؟
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ قد سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا
ومن شعرها فيه أيضاً :
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
وللخنساء ديوان شعر مطبوع عدة طبعات , وبشروح متعددة وقديمه .
حتى قال النقاد : أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها.
من أخبار ثباتها:
ذكر مؤرخ مكة الزبير بن بكار القرشي أن الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية حضرت
القادسية ومعها بنوها الأربعة , فحرضتهم على القتال والصبر فقالت لهم : يا بني إنكم أسلمتم
طائعين وهاجرتم مختارين , ووالله الذي لا اله إلا هو إنكم لبنوا رجل واحد , كما أنكم بنو امرأة
واحده , ما خنت أباكم , ولا فضحت خالكم , ولا هجنت حسبكم , ولا غبرت نسبكم , وتعلمون
ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين , وأعلموا أن الدار الباقية خير من
الدار الفانية , قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم
تفلحون )).
وذكر أن بنوها الأربعة قد ثبتوا في القتال وصابروا ورابطوا حتى استشهدوا رضي الله عنهم
جميعاً في معركة القادسية مع الفرس من أرض العراق وقد قال كل منهم شعراً يذكر وصية
والدته ويحرض إخوته على الثبات في القتال , وهم صحابة فيما يظهر لأن القادسية كانت سنة
14 هجرية أي بعد أربع سنوات من وفاة النبي صلى الله علية وسلم .
ولما بلغ خبر استشهادهم لوالدتهم الخنساء رضي الله عنها قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم –
أي شهداء – وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته )) .
فسبحان الله !! كيف تغير وضع الخنساء التي أمضت عمرها الأول قبل إسلامها في رثاء إخويها
والبكاء عليهما , فقد أكسبها الإيمان بالله وما عنده وفضل الشهادة في سبيله الصبر والثبات
وتحمل فـقـد الولد جميعاً في وقت واحد , فرضي الله عن الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد
وعن أولادها الأبطال المجاهدين والشهداء الأبرار.
وفاتها:
ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب لمعرفة الأصحاب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان
يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض رضي الله عنه , ولم
تذكر الروايات تاريخ وفاتها غير أن هذا النص يعطي أنها عاشت إلى ما بعد خلافة عمر بن
الخطاب.
كتبه:
د. محمد بن صامل العلياني السلمي
5\8\1431 هـ